مقدمة
تشهد ثغور التمر انحناءً ملحوظًا نحو الأسفل في معظم الأصناف حتى في المراحل المبكرة من نمو الثمرة وقبل أن يزداد وزنها وهو سلوك يثير تساؤلات المزارعين والباحثين على حد سواء فما السر وراء هذا الانحناء الفسيولوجي؟ وما أهميته للنخلة وثمرتها؟ وهل يرتبط بخصائص وراثية أم ببيئة النمو؟ في هذا المقال نحلل الظاهرة من منظور علمي دقيق يكشف دور تشريح السويق وموقع العنق إضافة إلى دور الرياح والحرارة والتكوين الخلوي لثمار التمر
التركيب التشريحي لسويق الثمرة
السويق أو ما يُعرف شعبيًا بـ"العنق" هو الجزء الرابط بين الشمراخ الزهري والثمرة ويتكون من نسيج لحمي غني بالألياف والأنسجة الوعائية التي تنقل الماء والغذاء من النخلة إلى التمرة هذا السويق مرن بطبيعته في معظم أصناف التمر وهو ما يسمح له بالانحناء التدريجي للأسفل نتيجة عوامل فيزيولوجية وليس فقط الوزن فحتى عندما تكون التمرة في طور "الكمري" أو "الخلال" يبدأ السويق بالاستطالة والانثناء كرد فعل فسيولوجي مرتبط بهرمونات النمو مثل الأوكسينات التي تتحكم باتجاه الانسجة ونشاط الخلايا المتمددة
التحكم الهرموني وانحناء السويق
يُعد الأوكسين من أهم الهرمونات التي تلعب دورًا في انحناء السويق حيث يتراكم هذا الهرمون على الجانب السفلي من السويق مما يؤدي إلى استطالة خلاياه ودفع الثمرة نحو الأسفل كذلك تدخل هرمونات أخرى مثل الجبريلينات والسيتوكينينات في تنظيم التوازن بين النمو الطولي والصلابة الميكانيكية للسويق مما يسمح بانحناء ناعم دون أن تنكسر الثمرة أو تنفصل عن العنق حتى في المراحل المبكرة
التكيف البيئي وانحناء الثغور
يُعتقد أن هذا السلوك له بعد بيئي تكيفي فقد يكون انحناء الثغور للأسفل آلية طبيعية لحماية التمرة من الإشعاع الشمسي المباشر والتقليل من فقدان الماء من خلال تقليل التعرض المباشر للحرارة كما أن هذه الوضعية تساعد على تقليل فرص تعلق الغبار أو الحشرات مباشرة على فتحة الثمرة التي قد تكون مدخلًا لمسببات الأمراض خصوصًا في الأصناف الرطبة والطرية مثل البرحي والخلاص
العوامل الوراثية المرتبطة بالسلوك
يُظهر تحليل سلوك أصناف التمر تنوعًا ملحوظًا في درجة انحناء السويق حيث توجد أصناف ذات سويق سميك وقصير لا ينحني كثيرًا مثل الزهدي والديري في حين أن الأصناف الرطبة ذات السويق الرقيق مثل البرحي والسكري تظهر ميلًا أكبر للانحناء مما يدل على وجود أساس وراثي لهذا السلوك يتأثر ببنية السليلوز واللجنين داخل أنسجة السويق وتوزيع الألياف الطولية والجانبية
دور عوامل الري والتسميد في انحناء السويق
الري المفرط خلال مرحلة التكون الخضري أو التسميد غير المتوازن قد يزيد من معدل نمو السويق ويضعف من صلابته مما يسهم بشكل غير مباشر في تسريع انحناءه حتى قبل أن تكتسب التمرة وزنًا كبيرًا كما أن النقص في عناصر مثل الكالسيوم والسيليكون قد يضعف من ترابط الخلايا داخل السويق ويؤدي إلى ليونة مبكرة
الاستفادة الزراعية من فهم هذا السلوك
فهم سلوك انحناء الثغور نحو الأسفل يمكن أن يساعد المزارعين في تطوير نظم دعم للشماريخ المثمرة وتقليل فقد الثمار بسبب الانفصال المبكر كذلك يمكن تحسين برامج التسميد والتقويم الوراثي للصنف بما يوازن بين إنتاجية الشجرة وثبات الثمار على السعف لفترة أطول كما يمكن تحسين شروط التعبئة والنقل بناءً على فهم زاوية الانحناء ومدى حساسية السويق للضغط الميكانيكي
خلاصة
انحناء ثغور التمر نحو الأسفل لا يرتبط فقط بوزن الثمرة بل هو نتاج معقد من التفاعلات التشريحية والهرمونية والبيئية والوراثية التي تهدف إلى حماية الثمرة وتنظيم نموها بطريقة تحافظ على بقائها وثباتها لفترة أطول وهو سلوك فسيولوجي ذكي يستحق الدراسة والاعتبار ضمن ممارسات إدارة النخيل الحديثة
إعداد المقال: فريق "خليها تخضر"
شكرًا لقراءتك هذا المقال ونتمنى لك زراعة ناجحة ومثمرة
لا تنسَ متابعة مدونتنا قسم ( فسيولوجيا الأشجار ) لمزيد من المعلومات الزراعية المفيدة بهذا الخصوص
المشاركات
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق